ظهرت تساؤلات بعد الحرب الباردة ، وانهيار حلف وارسو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وفشل الشيوعية في العالم. ومن أهم هذه التساؤلات ما هو مستقبل الحروب؟ وماهو دور حلف شمال الأطلسي «ناتو» في استقرار وأمن أوروبا، وشمال أمريكا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا! وما هي آثار التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي ودول حلف «ناتو» مع دول الجوار بشرق أوروبا !، كل هذه الأسئلة والإجابة عليها هو ما نتطرق إليه هنا ملخصا عن إحدى جلسات النقاش المؤتمر عقد في معهد بيكر في أمريكا، وشارك في النقاش نائب رئيس ألمانيا السيد هانس ويرش، ووزير الخارجية الفرنسي السابق، والجنرال کولن باول رئيس الأركان المشتركة، وآخرون من أساتذة الجامعات، وحضره وزير الخارجية الأمريكية السابق جيمس بيكر .
إن أي توسعة للاتحاد الأوروبي، وحلف «ناتو» يشمل دول شرق أوروبا يتطلب إعادة صياغة الاتفاقية الأوروبية، واتفاقية حلف شمال الأطلسی، وعرض الأطر القانونية والتنظيم لها على البرلمان الأوروبي، والكونجرس الأمريكي. وبالطبع لا تنسيق بين الدول الأوروبية، وأمريكا، وكندا في إطار ما يسمى بالعالم الجديد، الذي يدعو إلى مطلب أساسي هو استقرار العالم بدون حروب، وهذا الأمر يدعو إلى أهمية التعاون مع بقية دول العالم روسيا، والصين، واليابان، ويؤدي إلى تعاظم دور أمريكا.
إن سقوط الاتحاد السوفيتي والأيديولوجية الشيوعية، وخلو الساحة من عدو بين وواضح وضع العالم أمام موقف صعب، لأن أسلحة الدمار الشامل قد تقع بأيدي أناس أو دول فتصعب السيطرة عليها.
ويرى المناقشون أن عوامل استقرار دول الحلفاء هي :
١- تقوية دور الأمم المتحدة في حفظ السلام.
٢- تقوية الاتحاد الأوربي وتوسيعه ليشمل أوروبا .
٣- توسیع حلف ناتو – الحلف الأطلسي لمكافحة الإرهاب في العالم .
إن نوايا الحروب القديمة تغيرت ، والتكنولوجيا قد تقدمت، والعالم يواجه حروبا جديدة، وصراعات إقليمية، وهذا يزيد التحديات المستقبلية للعالم المتغير. ويرى آخرون أن العالم سيصبح مرتبطا بالتجارة العالمية ، وهذا يتطلب إستراتيجية انتقالية جديدة ، لأن مستقبل الحروب غير واضح، والصورة غير متوقعة، مما يجعل دور القوات المسلحة صعبا لمواجهة عدو غير موجود وغير واضح، مما يزيد أهمية انتشار قوات أمريكية في أوروبا، والشرق الأقصى، فالجيوش قد تصغر ويقل عددها، ولكن بقاءها ضروري مع المحافظة على مستوى التسليح لتكون مستعدة دائما لحرب غير معروفة . كما أن التقدم التكنولوجي، وانخفاض نسبة الميزانية الدفاعية قد تصل إلى ٤٠٪، واتحاد الدول الصناعية مهم و ضروري لضمان الاستقرار والأمن في العالم.
هناك تخوف من زيادة الحروب الداخلية، إذا توقفت الحروب بين الدول، والدليل على ذلك أن هناك حوالي ثلاثين حربا داخلية تدور الآن، وليست بين الدول، ولكنها داخل دول، مثل الحروب الداخلية في الصومال ، والبوسنة، وبورندي، ورواندا . فهذه الحروب مختلفة عن الحروب المعروفة بين الدول، وتتطلب استراتيجيات تختلف عن الاستراتيجيات المعروفة ، وهناك حروب داخلية على الأبواب وهذه الحروب قد تقع في أي وقت، ومع هذا الرأي المتشائم الذي طرحه أحد أعضاء المؤتمر، وهو بروفيسور إسرائيلي من جامعة القدس، فإن هناك آراء أخرى تدعو إلى تعاون دولي وهو البديل للمستقبل وبعيدا عن الحروب بين الدول الخارجية أو الداخلية. ويدعو هذا الرأي إلى أهمية دور أمريكا في العالم، ووضع برنامج عمل للسلام والمشاركة فيه من جميع دول العالم، والنظر إلى العوامل المشتركة بين الدول التي تدعو إلى التعاون الإيجابي، وإقامة علاقات طيبة بين دول حلف ناتو ، وروسيا بعد الحرب الباردة، وإحلال مبدأ التعاون بدلا من العزلة لمجابهة الأخطار والتحديات التي تواجه الدول الديمقراطية ولمواجهة الصراعات النووية .
إن الثورة الإعلامية قد نقلت أحداث العالم إلى البيوت بواسطة التلفزيون ومحطات الأقمار الصناعية بسرعة فائقة على الهواء مباشرة ، وألغيت الحدود بين الدول، مما أدى إلى انتشار المعلومات، وجعل الناس يعرفون أشياء لم يكونوا يعرفونها من قبل . ومهما كانت الاختلافات السياسية والثقافية بين الدول، فلن تتكرر الحروب والأخطاء السابقة للأسباب الآتية :
ا- أسباب سياسية : إن الدول الديمقراطية لن تقيم الحروب فيما بينها بنسبة أقل
بـ ۱۰ مرات مما كانت عليه من قبل.
۲ – أسباب اقتصادية : نظرا لأن الدول أصبح بعضها يعتمد على بعض ، وسوف لن تتحارب للمصالح المشتركة.
۳- إن الدول الديمقراطية والدول التي يعتمد بعضها على بعض عندما تكون هناك خلافات، فإن حلها يكون بالمناقشة والحوار، وليس بالقوة والحرب؛ بمعنى أنه أصبح هناك ما يسمى منطقة السلام (War Zone) مستمرة ومتوسعة.
وملخص القول إنه بعد الحرب الباردة، أصبح هناك أهمية للأمور الآتية :
۱- استمرار التحالف وتوسيعه .
۲ – التزام إستراتيجية الردع.
٣- القيادة القادرة على التعامل مع الأحداث الراهنة للسلام والاستقرار وطرحه في النقاش رأي آخر.
إنه ينبغي إدراك أن مشاكل العالم الحاضر والمستقبل ترجع إلى الماضي ، لأنها ناتجة عن العلاقات السابقة خلال فترة الحرب الباردة، مثلما حصل داخل دول الاتحاد السوفيتي السابق، ومثلما حصل بين دول اتحاد يوغوسلافيا السابقة، والحل البديل هو الدبلوماسية الإيجابية بين الدول لحل المشكلات القائمة والعالمية ، لأنه إذا تعاملت الدول مع الحروب الداخلية والإرهاب، كما تتعامل مع الحروب بين الدول، فإن هذه الدول ترتكب خطأ كبيرا. والمؤشرات الحل هذه المشكلات موجودة لمن يريد حلها؛ ويوضح المؤتمر أهمية دور أمريكا في العالم، ويضرب ذلك مثالا، لأن أمريكا عندما تخلت عن أوروبا أدى ذلك إلى الحرب العالمية الثانية ، وتعلمت درسا من ذلك، لأنها بعد الحرب العالمية الثانية لم تتخل عنها، بل إنها قامت بإعادة بناء أوروبا اقتصاديا، وتشجيع قيام اتحاد أوروبي الذي يبلغ الآن نحو ١٥دولة، وتوسيع هذا الاتحاد لازم للحفاظ على الأمن العالمي، والاستقرار في العالم، وتبع ذلك توسیع حلف «ناتو» . ووجود القوات الأمريكية في أوروبا ضروري ومهم لإيجاد التوازن والاستقرار، ويلزم كذلك وجود أوروبا قوية، لأن الاتحاد الأوروبي يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد، والتحالف العسكري يؤدي إلى الأمن والاستقرار، والانعزالية الأمريكية ليست من مصلحة حلف ناتو، وليست من مصلحة أوروبا، ومن حيث المبدأ لا يوجد مانع من توسيع حلف ناتو ليشمل دول شرق أوروبا المجاورة، ولكن الأمر يتطلب إعادة كتابة اتفاقية الحلف.
وبقي سؤال هو: هل توسیع حلف ناتو سيحل مشكلة الأمن أم سيزيدها تعقيدا، وما هو رد الفعل المتوقع للدول التي لم يشملها الخلف، خاصة الدول التي تملك الأسلحة النووية، وتوجد دول خارج أوروبا فيها مصالح أمريكية وأوربية ولها أهمية. وهل يمكن أن تتوصل إلى إستراتيجية جديدة تجنب أمريكا أن تكون بوليس العالم. لاشك أن هناك مصالح إقليمية يسمونها regional Interestومصالح حيوية Vital Interest لابد من معرفة ما هي هذه المصالح لتحديد الأهداف والإستراتيجية اللازمة للمحافظة عليها.
وبالنظر إلى السياسة اللازمة لمنع استخدام الأسلحة النووية ، ينبغي استمرار التعاون القائم بين الدول التي تملك هذه الأسلحة، وحصرها ومراقبتها حسب الاتفاقية المنعقدة بين هذه الدول خلال مدة محدودة، وهي الاتفاقية المعروفة باتفاقية Disarmement، وما هو المتوقع من تزايد قوة الصين، وكيفية التعايش معها خلال القرن القادم، وهذه الآراء والأفكار السابقة تمثل وجهة النظرة الغربية.
والسؤال المطروح أمامنا، ما هو موقف دول العالم الثالث أو دول ما يسمى مجموعة ٧٧والصين في إطار منظمة هيئة الأمم المتحدة، والتعايش السلمي لازدهار العالم في ظل الأمن والاستقرار العالمي في إطار ما يسمى العالم الجديد.
Kommentare