التاريخ: يوم الخميس 13 ربيع الأول 1418هـ، الموافق 17 يوليو 1997م
الجريدة: جريدة الرياض
تقوم الأنظمة في المملكة على أساس الشريعة. وهذه تشمل الأنظمة والإجراءات المتعلقة بمصلحة الأرصاد وحماية البيئة والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، والأمانات والبلديات، ومصالح المياه، وهيئة المواصفات والمقاييس، وإدارة حماية المستهلك بوزارة التجارة والموانئ، والآثار، والغابات والأشجار والأعشاب والطيور والحيوانات في المملكة. وبالتالي أصبح العديد من الإدارات تتناول القضايا البيئية بفعل ما أنيط بها من صلاحيات في إطار أنظمتها ولوائحها التنفيذية .
وقد قامت مصلحة الأرصاد وحماية البيئة – مشكورة – بالتعاون مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية بإعداد دراسة أساسية عن حماية البيئة في الإسلام في عام ١٤٠٣ ه – ۱۹۸۳م.
وبإنجاز العمل تم وضع حجر أساس في طريق ربط الإسلام بأحد أكثر فروع العلوم التطبيقية تعقيدا وفائدة . وفيما يلي المبادئ الإسلامية لحماية البيئة التي تهتدي بها الإدارة البيئية في المملكة العربية السعودية .
إن كل ما خلق الله في هذا الكون، خلقه بمقدار کما وكيفا. يقول الله تعالى : وإنا كل شيء خلقناه بقدره . ويقول له وأنبتنا فيها من كل شيء موزون . كما أن الرسول – ص – قد اهتم بموضوع حماية البيئة بتأسيس أول حمى في الإسلام وهو حمى النقيع في منطقة المدينة المنورة . روي عن النبي – ص- أنه قال «لا حمى إلا حمى لله ولرسوله». وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي – ص – حمى النقيع لخيل المسلمين. وأشار البكري إلى أن النقيع صدر وادي العقيق، وهو متبدي للناس ومتصيد، وهو في أرض طيبة تعلوها حجارة سوداء ، ويبتديء بعد الحوج من أئمة الزبير بحوالي ثلاثين كيلا للمتجه إلى مكة، وجهته الواقعة غربا من طريق مكة المكرمة أفضل من الجهة الشرقية، وذلك بسبب استواء الأرض وكثرة ما فيها من الأودية ، كما ذكره الدكتور علي المرشد بن محمد المرشد في بحثه القيم عن حمى النقيع .
ونجد في هذا الكون تنوع الأشكال والألوان والوظائف واختلافها؛ وفي عناصره تحقيق المصلحة بني آدم، ودليل على عظمة الخالق.
ويعتبر الإنسان جزءا من هذا الكون الذي تكمل عناصره بعضها بعضا، ولكنه جزء متميز، وله موقع خاص بين أجزاء الكون؛ وصلة الإنسان بالكون، كما يصفها القرآن الكريم ويوضحها هي:
– صلة الاستثمار والانتفاع والتعمير والتسخير لمنافعه ومصالحه .
– صلة الاعتبار والتأمل والتفكير في الكون وما فيه .
إن الاستثمار والانتفاع والتسخير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى للإنسان يتضمن بالضرورة التزاما منه بالمحافظة على كل الموارد الطبيعية كما وكيفا، فلا يجوز بالتالي للإنسان إفساد البيئة بإخراجها من طبيعتها الملائمة الحياة الإنسان وقراره فيها، كما لا يجوز استثمار تلك الموارد أو الانتفاع بها بشكل غير رشيد يفسد أو يعرض أقواتها ومواردها للفساد والتشويه . وقد قضت حكمة الله تعالى أن يوظف بعض المخلوقات لخدمة بعضها الآخر، بحيث تلحظ في الكون كله العناية الإلهية بالأشياء والحكمة السارية في عناصر الكون، كدليل على الصانع الكريم، كما قضت حكمته تعالى أن تكون جميع المخلوقات مسخرة لخدمة الإنسان.
وجعل الله الماء أصل الحياة ومنشأها . يقول الله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي أقلا يؤمنون ) فالنبات، والحيوان، والإنسان يرتبط وجودهم بوجود الماء، واستمرار حياتهم متوقف على وجود الماء. ولاشك أن المحافظة على هذا العنصر أساس المحافظة على الحياة بأشكالها المختلفة، سواء كانت حياة نباتية ، أو حيوانية ، أو إنسانية .
وعنصر الهواء لا يقل أهمية عن العنصر السابق في استمرار الحياة والمحافظة عليه، وقد تكون للهواء وظائف غير مرئية للإنسان، ولا تثير اهتمامه، إلا أنها مقصورة لله عز وجل كما نبهنا إليها القرآن الكريم.
وإذا كانت للهواء هذه الوظائف الحيوية والاجتماعية، فإن المحافظة عليه نقيا خالصا تعتبر جزءا من المحافظة على الحياة نفسها التي هي مقصد اساسی من مقاصد الشريعة. والقاعدة الفقهية تقول «مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، ومحاولة تلويثه أو إبطال وظيفته أو تعطيلها تعطيل لبعض وظائف الإنسان، وتعويق له عن أداء دوره في عمارة هذا العالم، ولا شك في أهمية النبات والحيوان وفوائدهما العظيمة للإنسان. والقرآن الكريم يرشدنا إلى أن هذه المخلوقات لها وظائف جمالية وتزينية أيضا، بالإضافة إلى وظائفها الأخرى. وبما أن راحة النفس مطلب ديني، فإنه ينبغي توفير أسبابه ، والمحافظة عليه . فقد جعل الله تعالى في المخلوقات ما يثير البهجة والسرور في النفس حرصا على راحة الإنسان النفسية، لما في ذلك من دفع له على العمل لأداء وظيفته .
إذا كان الإسلام يحرص على حماية العناصر الأساسية في البيئة والمحافظة عليها لخير الإنسان، وتأمين ضروراته وحاجاته ، سواء بالنسبة للجيل الحاضر أو الأجيال اللاحقة، فإنه يتجه أيضا إلى حماية الإنسان نفسه والبيئة نفسها من التأثيرات الضارة للعوامل الخارجية والمنتجات الكيماوية والفضلات، ذلك أن الضرر ممنوع في الإسلام في جميع صوره وأشكاله ، كما جاء في الحديث «لا ضرر ولا ضرار»، كما أن منع الضرر والفساد قبل حدوثه أولى من معالجته بعد حدوثه. والقاعدة الفقهية تقول «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».
إذا كانت أكثر الاستخدامات الصناعية، والإعلامية، والمواصلات تصحب غالبا بالضوضاء، فلابد من البحث والعمل لتجنب هذه الضوضاء أو تقليلها، والفضلات والعوادم التي تنشأ من الاستعمال الإنساني، أو عن الاستعمالات الصناعية والحضارية المتطورة، لابد من إزالتها لحماية البيئة من الفساد والتشوه، وحماية الإنسان من آثاره المؤذية والضارة جماليا وحیوا وحماية عناصر البيئة الأخرى. وينطبق ما قلناه على المواد المشعة من حيث ضرورة ما قد ينتج عن استعمالها من آثار ضارة بالإنسان وبيئته ، ووجوب التخلص من نفاياتها بطريقة صحيحة .
وينطبق ما قلناه على المبيدات الحشرية والنباتية ، فإن استعمالها يجب أن يكون مفيدا مقيدا بعدم إحداث ضرر بالإنسان أو بيئته ، عاجلا أو آجلا.
ومن الواضح أن المسكرات والمخدرات لها تأثير ضار على صحة الإنسان، وعقله ، وماله ، وعرضه، ودينه ، وتمتد سلطات الدولة لحماية البيئة والمحافظة عليها في الإسلام، والتي تتلخص فيما يلي:
١- حماية البيئة ومواردها والمحافظة عليها وتنميتها واجب ديني شخصي يلتزم
به كل فرد مسلم.
٢- التوعية الدينية الإسلامية في هذا المجال أمر ضروري ليكون كل فرد عامل
حماية وتنمية للموارد الطبيعية والبيئة .
٣- التوعية الدينية الإسلامية تشمل دعوة الأفراد بكل الوسائل وعلى جميع
المستويات إلى الالتزام بالآداب الإسلامية وتشمل التعامل مع الطبيعة
والبيئة ومواردها.
٤ - إن ملكية هذه العناصر البيئية حق مشترك بين أفراد الجماعة المسلمة في
الوطن الواحد، وفي هذه الحالة المملكة العربية السعودية تتولى الدولة إدارة
حماية البيئة بالمشاركة مع الهيئات الوطنية والأهلية .
٥- إن تدخل ولاة الأمور لتحقيق المصالح العامة ودرء المفاسد العامة أمر مقرر
في الشريعة الإسلامية ، بل هو واجبهم الأصلي .
٦- إن مصلحة الأمة والجماعة تقدم على مصلحة الأفراد عند تعارضهما .
۷- إن المصالح مختلفة متدرجة في الأهمية.
۸- إن المصالح مختلفة في درجة التحقيق والثبوت .
٩- إن بعض التصرفات تحقق بعض المصالح، ولكنها تجلب مفاسد أشد أو
مفاسد مماثلة، والقاعدة في ذلك تقول درء المفاسد مقدم على جلب
المصالح.
۱۰- إن واجب ولي الأمر ومعاونيه من السلطات الإدارية أو البلدية أو القضائية
أن يسهروا ويحرصوا على تحقيق مصالح الأفراد والمجتمع .
۱۱- للدولة الحق في اتخاد جميع التدابير والإجراءات المتعلقة بمنع الضرر أو تقليله.
١٢- للدولة الحق في إيقاف بعض المشروعات إذا ترتب على وجودها ضرر حقيقي بالبيئة يفوق النفع المتوقع منها.
Comments