top of page

التخطيط والدراسات المستقبلية والخيال العلمي

التخطيط هو وضع الأهداف العامة والمحدودة والاستراتيجيات لتحقيقها ، والسياسات لتنفيذها في شكل برامج ومشروعات حيوية تتحقق في المستقبل في زمن محدد، ومكان محدد، مبنية على دراسات وأبحاث عما يجري في المستقبل .


والخيال العلمي، أو ما يمكن تسميته أحلام اليقظة عند بعض الناس هي آمال ورغبات الإنسان التي يرغب تحقيقها في المستقبل، وهي مزيج من الواقعية والخيال يصوغها الكاتب لتكون قطعة أدبية مقروءة، ويجد الإنسان منفعة ومتعة في كتابتها وإخراجها للناس ليشاركوه في قراءتها، خاصة عند انحسار العمر، ويبدأ في التفكير في الآمال والتطلعات التي تحققت، وتلك التي لم تتحقق فيما مضى من حياته، ويأمل أن تتحقق فيما بقي من عمره. وعلى هذا الأساس فإن أحلام اليقظة هي منظار للمستقبل القريب والبعيد وهي أحلام خاصة، وأحلام عامة مبنية على خيال علمي بما يتوقع أن يكون.


فالأحلام الخاصة تتعلق بحياة الإنسان نفسه، والأحلام العامة هي ما تتعلق بالهموم الإنسانية عامة، وكم من الأحلام والخيال العلمي أصبح حقيقة .


والخيال العلمي المنظم عند الإنسان واسع ، يستطيع المرء أن يفكر من خلاله في المستقبل في لحظة واحدة، مثلما يقرأ التاريخ الماضي في لحظات باستعراض الأحداث بسرعة عبر جسر الواقع إلى المستقبل، كما أن بإمكان الإنسان أن يتصور أشياء قد تحدث، والتصور يأخذ بدايته من الواقع، وهذا يسمى الخيال العلمي، وكم من مخترعات بدأت من الخيال العلمي، وإذا أراد الإنسان الذي يتخيل أن یکتب بحثا علميا يبدأ بفرضية تنطلق من الواقع ، ثم يحاول إثباتها . فالنظرية تظل أفكارا وآراء حتى تثبت صحتها ثم تصبح علما في إطار قواعد علمية للبحث والكتابات الأدبية تميل إلى الفن أكثر من العلم، وتميل إلى الإبداع والخيال العلمي، وعندما تثبت علميا خرجت من نطاق الفنية إلى العلمية .


والتخيل نعمة من نعم الله التي أسبغها على الإنسان، والمنجزات الحضارية في غزو الفضاء والوصول إلى القمر، ومحاولة الوصول إلى الكواكب الأخرى بدأت بقصص خيالية ، ومن هنا فإن الأفكار في هذه المقالة هي تصورات سابقة للحقائق العلمية.


دعونا أن نتخيل ونتصور في هذا المجال، ونبدأ الخيالات من الفرد، ثم الأسرة، ثم المجتمع، فالدولة والإقليم، ثم العالم خلال أبعاد زمنية وجغرافية تنبع وتعتبر من الخيال والتصور ولكن لابد منها، ولا يمكن أن نتحرر منها، وهذه هي العقبات التي نواجهها عند التخيل. وعندما يريد العقل الانطلاق بلا حدود في الفضاء، وفي السماوات والأراضين السبع فكيف يتحقق هذا الهدف ونخرج بنتيجة مرضية للجميع إنها مهمة شاقة، ولكن الكاتب يحاول أن يتجاوز فكيف نتحرر من قوانين و مراكز القوة عند الإنسان مثل العقل، والقوة الذهنية التي تراقب بالقوة الذاتية المفكر والكاتب وهو يجوب عباب الخيال الوضع ضوابط على الفكر فالعلاقة بين العقل والفكر مطردة، كالعلاقة بين الحصان والخيال الذي يمسك بعنان الحصان لكي لا يسرع. فإذا أرضى الخيال (صاحب أو راكب الحصان) العنان فإن الحصان سوف يسرع، كالإنسان عندما يرخي العنان لنفسه في الخيال ويفكر ويسبح في الخيال في الفضاء.


أما إذا أخذ الفارس يمسك بالعنان ويجره فإن الحصان يقلل من سرعته ، فكيف نوازن بين العقل والفكر والخيال في الكتابة وأحلام اليقظة . هناك ضوابط أخلاقية ودينية وعلمية تحكم هذا التوازن.

فالمدينة الفاضلة التي انطلق منها أفلاطون بلا حدود جغرافية هي في الواقع جزء من الخيال العلمي الذي يتمناه ويأمل أن يتحقق.


إن الخيال الخصب نعمة يحسن الاستفادة منها، وقد هيأ الله لنا في هذا الزمان وسائل لضبط الخيال، مثل الحاسبات الآلية التي هي في الأساس صممت ووضعت لمحاكاة عقل الإنسان. ففي لحظات يستطيع المرء أن يدخل عبر الإنترنت، أن يغزو الفضاء العلمي ويحصل على ما يريد ليكتب ما يشاء ، ويسافر عبر هذا الجهاز وهو جالس على كرسيه بدون عناء السفر، وهذه من نعم الله على الإنسان، وهذه النعمة قد تنعكس إلى نقمة إذا أسيء استخدامها.


والتفكير في مخلوقات الله سبحانه وتعالى عبادة ونعمة للاعتبار عند التفكير في الكون وما سخر الله للإنسان من نعم، والذي يحكم الاستفادة من هذه النعم كتاب الله وسنة رسوله، والتفاؤل من الإيمان بالله والكتابة في التخطيط والمستقبل تخصص جديد عند بعض الكتاب والمؤلفين . إن الخطط التي تتبع عند بعض الدول المتقدمة تستفيد من هذه الدراسات المستقبلية وتوضع لسنوات طويلة، أي التخطيط طويل الأمد، إنهم يضعون الأهداف والاستراتيجيات، ويعملون على تحقيقها في خطط مرحلية. فالاستعداد للمستقبل يبني على خطط مدروسة، مثل الصناعات المتقدمة وخطط التعليم والاقتصاد والأقمار الصناعية، وحتى الأمور الدفاعية كلها تبنى على الدراسات المستقبلية وما يتوقع حدوثه ، وتحديد مناطق التهديد والسكون.


ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والدول الصناعية تسعى إلى الهيمنة على الأسواق، وجعل العالم يسير في فلك الاقتصاد الغربي الحر، ونجحوا في ذلك بتفكك الاتحاد السوفيتي، واستبعاد استمرار الاقتصاد الشمولي وبدؤوا في التفكير في العولمة، وهو جعل العالم يسير في فلك واحد، وهذا أصبح ممكنا بتطور وسائل الاتصالات والتقنية الحديثة والتجارة الدولية .


والمهم إنهم لا يخلدون إلى الراحة ، بل إن العلماء عندهم ومراكز البحوث والدراسات مشغولون في الدراسات المستقبلية ، والحكومات تستفيد من هذه الدراسات. إن العالم الآن يقف على أعتاب مرحلة جديدة ، بل لقد بدأها بالفعل، وهي مرحلة العولمة والقطب الواحد، أو ما يسمى بالعالم الجديد، وذلك بإذعان من جميع الدول كبيرها وصغيرها إلى من يملك زمام العلم والتقنية والقوة، والتحكم في الآخرين من بعد، والتحكم في مستقبل الأجيال الآن في دور التحدي، وهذا الذي يدعونا إلى التفكير في المستقبل، وتشجيع التفكير في المستقبل والدراسات المستقبلية. ومن ملامح المستقبل هو التجمع الإقليمي للتصدي إلى تحديات المستقبل بعد البناء الاقتصادي والاجتماعي الوطني. ومما يساعد على ذلك وجود مراكز للدراسات المستقبلية في جميع المجالات السياسية ، والاقتصادية، والاجتماعية، والدفاعية، والأمنية للأخذ بأسباب القوة؛ وتستمد هذه الدراسات قوتها من معرفة واقع السكان وتوظيف القوى العاملة الوطنية ومقومات الأسرة والمجتمع، والعناية بالطفولة والأمومة، والنواحي الصحية، والعناية بالمعوقين، والأخذ بأسباب العلم والتقنية، والنظرة الاقتصادية ، وعدم الإسراف وحماية البيئة من المتطلبات المستقبلية مع الاعتماد والتوكل على الله. فالأخذ بالأسباب المشروعة مطلوب ؛ فالحياة الدنيا وحاجتها هي سبيلنا إلى ما بعدها . قال الله سبحانه وتعالى ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وهذا يدعونا إلى الأمل في المستقبل، مستفيدين من تجارب الماضي القريب والبعيد والتاريخ هو ذاكرة الأمة ليتعلم منه ما يفيد لمستقبلها ، فمعرفة الماضي والحاضر لازمان للمستقبل.

إن قضايا الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، والمنظمات الدولية ، والتعاون الدولي أصبحت مترابطة ومتداخلة، ولا يمكن معرفتها والتغلب على مشكلات هذا التداخل إلا بالدراسات المستقبلية، ولا يمكن أن يكون الفرد، أو المجتمع، أو الدولة في عزول عن العالم .


وهكذا إذا أمعنا النظر في إعطاء الخيال التفكير العلمي لما حولنا نجد أن أحلام اليقظة والتفكير السليم قد يكون مفيدا . فالإنسان بطبعه اجتماعي ، ويتفاعل مع ما حوله، وتتحول هذه الأحلام إلى خيال علمي، ثم إلى حقيقة في حقائق منظورة . والله أعلم.

Comments


bottom of page