نعني بآداب التعامل في العمل الإداري والفني ذلك السلوك الإداري والإنساني الذي ينبغي أن يعامل به الموظف ثلاث فئات من الناس في العمل الإداري والفني في مجال العلاقات الإنسانية :
ا- الفئة الأولى معاملة الرؤساء والمديرين .
۲ - الفئة الثانية معاملة الزملاء في العمل.
٣- الفئة الثالثة معاملة المراجعين وأصحاب الحاجات .
والغاية من الإدارة الحكومية هي أداء الخدمات للمراجعين وأصحاب الحاجات لدى الإدارة . وسنركز هنا على الفئة الثالثة أي التعامل بين الموظف والمراجع وأصحاب الحاجات في إطار العلاقات الإنسانية .
إن أثمن ما في الوجود هو الإنسان والوقت. والإدارة الحكومية أحيانا تهدر هذه القيمة الحيوية ، بعكس أهدافها التي هي خدمة الإنسان المراجع باحترام، وتوفير الوقت بمسئولية وأمانة . والأمثلة على ذلك كثيرة في إدارات الخدمات والاتصالات الإدارية والمستشفيات. وإذا رجعنا إلى أصول آداب التعامل والمهن في التراث الإسلامي نجد أن العمل أمانة ، والقرآن الكريم ، والسنة النبوية يحثان على المحافظة على الأمانة بقوة. قال تعالى وإن خير من استأجرت القوي الأمين که . وإن من أصول الدين الإسلامي حسن المعاملة ، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «الدين المعاملة».
والقيادات الإدارية العليا في بلادنا – والحمد لله – تحث دائما على تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين بيسر وسهولة ولكن ما هو حاصل في الإدارة الحكومية في بعض الدول النامية، ومنها بعض الدول العربية أن الإدارة الحكومية فيها لا تتصف بالتزام قواعد السلوك الإداري السليم كما ورد في الإسلام و آداب المهنة والأخلاق العامة . إن أنظمة الخدمة تحدد صفات وواجبات الموظف الإداري، ولكن تصرفات الموظف الإداري أحيانا تكون بعيدة كل البعد عن هذه الصفات والواجبات المثالية التي تنص عليها الأنظمة. والأمثلة على مخالفة بعض الموظفين الإداريين هذه القواعد من السلوك الإداري السليم ومخالفة صفات وواجبات الموظف الإداري كثيرة مثل: التأجيل غير المبرر للبت في المعاملات واتخاذ القرار اللازم في معاملات المراجعين لأيام، بل إلى أسابيع و شهور؛ في حين أن المعاملة يمكن إنجازها في دقائق أو ساعة على الأكثر . وهذا التصرف من الموظف الإداري يدل على عدم احترام المراجع، «الإنسان» ، والوقت الثمين، وهو مخالف لآداب المهنة والسلوك الإداري والإنساني القويم، والأخلاق الإنسانية للتعامل مع المراجع، ومثال آخر هو عدم احترام المراجع والسماع إلى شكواه ، بل وعدم رد السلام عليه أحيانا والاهتمام اللازم واللائق به ، ومعاملته أحيانا ، والنظر إليه باحتقار، والواجب عليه أن يعلم أنه موظف التقديم الخدمة لهذا المراجع وأمثاله ، ولا يرى نفسه الآمر الناهي، وكذلك يشعر موظفو إدارات شئون الموظفين وإدارات الاتصالات الإدارية التي تحتك بالمراجعين، بالإضافة إلى بعض مظاهر التصرفات الإدارية والسلوك المهين، كأن يدعوه إلى الانتظار لساعات، ثم لا ينجز معاملته . ويدعوه للمراجعة بعد أيام أو يقول له :
تعال بكره ، وإذا جاء لا يجد معاملته منتهية. ومثال ثالث تأخير إنهاء معاملات التعيين والإحالة على التقاعد، وإذا كان لتأخير معاملات التعيين أحيانا ما يبرره من عدم توفير الوظيفة والمكان المناسب لكن تأخير إنهاء معاملة طالب التقاعد أمر يدعو للعجب. فالموظف الذي طلب التقاعد أو حل وقت إحالته للتقاعد نظاميا يجد صعوبة في إنهاء معاملته بالرغم من الخدمات الطويلة التي أداها للإدارة الحكومية فما هو وجه التأخير. ومن الأمثلة على ذلك قصة رواها لي أحد أصحابها، وهي أن زوجته طلبت الإحالة إلى التقاعد وأمضى أربعة أشهر وهو يراجع الجهة المختصة. وعند تكرار المراجعة تبين له أن الموظف الذي لديه المعاملة لم يجد الملف، ولم يكلف نفسه عناء البحث عنه ، وكلف المراجع بالبحث عنه في الدائرة، ومستودع الملفات ؛ وذهب المراجع للبحث عنه ووجده . وكان بإمكانه أن يذهب ويخرج به، ويحمل الموظف والإدارة المسؤولية . ولكن رغبته في إنهاء معاملته جعلته يسلم الملف للموظف الذي طلب وقتا أكثر لإنهاء المعاملة . ولما بلغ المراجع رئيسه لم يكلف هذا الرئيس الإداري نفسه عناء مساءلة الموظف ، وطلب المراجعة بعد حين.
وهذا العمل والتصرف من الموظف ومديره فيه إهانة للمراجع، وعدم احترام الوقت، ومن أمثلة التأخير والتأجيل تأخير مواعيد مراجعة الأطباء في المستشفيات الحكومية، بحجة كثرة المراجعين، وضيق وقت الأطباء، وهذه حجج يتذرع بها الموظف المسئول عن تحديد المواعيد بالحاسب الآلي ومن ذلك معاملة المريض معاملة غير إنسانية .
وهنا يدعونا المجال للحديث عن الأهمية والأولوية في تدريب الموظفين، هل نعلمهم وندربهم على الوسائل الإدارية للتقنية الحديثة على الآلات والمعدات المكتبية، أم نعلمهم وندربهم على قواعد السلوك الإداري السليم، اعتقد أن المطلب الثاني أولى، ثم يأتي بعده المطلب الأول.
والأمثلة المذكورة تنطبق على إدارات خدمات الموظفين والاتصالات الإدارية في الإدارات الحكومية لإنهاء معاملات الذكور والإناث من الموظفين والموظفات ، والمراجعين والمراجعات، وكذلك موظفي مكاتب المواعيد في المستشفيات ، وبعض الجهات الطبية.
إنني أطالب وزارة الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة بالاهتمام بتأهيل وتدريب الموظفين للاهتمام بهذه الأمور، وتدريبهم على العلاقات الإنسانية والإدارة في الإسلام. فقد أصبحت معاملة الموظفين سيئة، لدرجة أن بعض المراجعين تتضرر مصالحهم، ويجدون صعوبة في أن ينالوا حقوقهم بيسر وسهولة كما هو الواجب، ويدعو إليه المسؤولون في الإدارة العليا.
, والحلول لهذه المعضلة كثيرة؛ منها وضع معايير وأدلة إجراءات العمل، ومعدل الوقت الكافي لإنهاء المعاملات، ثم التفتيش من قبل الرؤساء الإداريين على الموظفين للتأكد من تطبيقهم لهذه المعايير والإجراءات الإدارية ؛ وهذه الطريقة من أمانة العمل المفروضة والتدريب الإداري على حسن المعاملة والعلاقات الإنسانية، والمحافظة على كرامات الناس ، ومعاملتهم معاملة إنسانية، وتطبيق الأنظمة بتفهم وبيسر وسهولة، ولا بالتعقيد وسوء الفهم والروتين القاتل. وفق الله المسؤولين عن هذه الإدارات لخدمة المراجعين من المواطنين والمقيمين.
والله الموفق.
Comments